الأربعاء، 31 مارس 2010

ذكرى الخطوات-3

بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآله الطيبين الطاهرين
.
" نعم بإذكاري كربلاء ومن بها .. تفاقم كربي واستحم بلائي
و أنفذ عيني ماءها ببكائها .. عليهم و قد أمددها بدمائي "
.
حكايات كربلاء
سكنت قلبي واخترقته بقوة السيوف
قبل أن تثبت بذاكرتي
هنا كربلاء
تفوح عطور الجنان من رمالها الحمراء
و هاهي المجموعة تنافس الركب بمسيرها الحزين
فالظلام حالك والفجر لم يبزغ بعد
و السماء المظلمة تنسج الحزن
و تجعل أدمعنا تنهمر بلا نهاية
ففي عمق الروح انكسار يجعلها تقطر الما
و مع كل خطوة تُفتح نافذة
لتطل صورة من صور عاشوراء
فنتذوق مرارة المصاب
ونتوضأ من نور يشع من تلك القباب
لاحت أمامي
فوقفت مكبرة لروعة شموخها
هذه أنوار الحسين عليه السلام
جذبت أقدامي نحوها بلا شعور
(إلى اليـسار)
صوت اخترق أسماعي لأتجه للأتجاه الآخر
انسكبت دموعي كلؤلؤ متناثر
وفاحت ياسمين شوقي
و ما إن رفعت رأسي
حتى أطلت قبة الكفيل العباس بشموخ
فأحسست بأن همومي قد ذابت كملح بشطآن جوده
كيف لا وهو صاحب العطاء
تأملته طويلاً
لترتوي بذور فؤادي العطشى لمرآه
فسيطر على فكري تساؤل
عجيبة هي أرض الطفوف
فكل ذرة بها تملك عبق متميز
وإن ابتعدت عنه بضع أقدام يبقى العطر مداعباً الأجواء
فمن أين هذه العطور الجميلة؟!
كنت على يقين يخمد كل تساؤل
فهذه البقعة تختزن الكثير من الأسرار
و العناية الإلهية تحيطها بتميز في كل شيء
حتى هبات النسيم التي نستنشقها
فهذه بلا شك جنة الله في أرضه
و ماجعلني أشعر بعظمة هذا المكان أكثر
الصوت الباسمي
الذي جعل مشاعري تبدو في صفاء
فتلثم التراب كل حين
و يوقع بأذني بصمات لذكرى لا تنتهي
خصوصاً بقصيدته :
(اهنا يالنازلين اهنا قبر حسين دلوني
وتالي للمسناية لراعي الجود والراية
أريد أروح شكاية واقله يابدر سعدي
رضيت القوم يسبوني)
السكن كان بين الحرمين
فكان مصدر لسعادتي القرب من الشهيدين
خصوصا بأني اندمجت مع مجموعة لم تكن عادية
بل تقذف بقلبي الشعور المستمر بالروحانية
و تدفعني لأن أرتقي بإحساسي و أسمو
وقد كنا نتقاسم دائماً مع الليل الحزن
وتتراءى صور أمام أعيننا فنحتار بتفسيرها
هل هي أطياف ترافقنا ؟!
أم
حقيقة تتجلى أمامنا ؟!
وفي كل صباح
ما أن أفتح عيني حتى تردد شفاهي بعض آيات من القرآن
آيات لم أكن أحفظها
لم أعرف لهذه الأحلام تفسير سوى أنها
تشعرني بالراحة والطمأنينة
ففي مدينة الحسين عليه السلام دروب كثيرة
تحير أفكاري وتذهل فهمي
وتجعلني أرتقي إلى صمت الخشوع
وتراتيل الألم تلزمني أن أكون كفراشة تهفو إلى الأنوار دائماً
وكلما سارت قدمي خطوة
واقترب يوم الأربعين
شعرت بأني أقلب صفحة من صفحات كتاب استهوى قلبي
و سهرت لأجله الليالي
شغلني و أصبح بداية حديثي
كتاب القــــربان
فأحمد الله على وصولي لجنة الخُلد كربلاء
كان الجو بارد و لكن الحزن يلهب بنيرانه
لينسيني في بعض الأوقات معطفي
و كلما اتجهت لسيد الشهداء
شعرت بشيء يحيط بسمائي كقوس الله
فهنا لون الصبر
وعمق الألم والحزن
ومرارة الفراق
والوفاء والعطاء
وأروع لون من صدق الاخوة
تشكلت جميعها بألوان تبهر نفسي وتجعلها ساجدة
كم كنت أغمض عيناي باستمرار
لتتراءى لي أجساد ملقاة هنا وهناك
في حر شمس يوم العاشر
لا أخفيكم باضطراب روحي قبل جسدي
وشعوري بقمة الألم و الحسرة
فيسمو الحزن ويرتقي عند المولى
وبالتحديد عند المذبح
فهنا احتز رأس الشهيد
وهنا فيض دماء سبط الرسول سالت
لتصرخ ببقاء كل شهيد و خسران كل جبار عنيد
هنا رائحة التفاح تفوح عن بعد
وكأنها تحث بذور حنيني لتتناثر مع كل جرح
أطبق بجفنيه على قلب مولاي الحاني
ومع كل لوعة و أسى
حفرتها الأيام بجسمه الطاهر
فمصابه هو رمز الخلود
فهو النجاة من حر الجحيم
ومن أجل الثبات على الصراط المستقيم
جعل جسده طعن للرماح والسيوف
الفاجعة والمصاب أكبر من أن تسجله أو تشعر به الحروف
فهنا يثور الدم وتثبت الحرية
وهنا ينتصر الحق و يتدحرج الباطل
هنا حلاوة العبادة و مناجاة المحبوب
ففي هذا الصحن وذاك
أحببت أن تشهد لي هذه البقعة وهذه السماء بصدق هيامي
واخلاصي لنهج الأطهار عليهم السلام
في أغلب الأحيان
دموعي هي الرفيقة المخلصة الدائمة
فتتشكل كغيمة تحجب الرؤية عن عيني
وكأنها تصرخ بأمانيها
فليتها استطاعت أن تروي عطاشى كربلاء
وليتها اطفأت نيران الخيام
ليتها كانت طوفان
لتغرق كل ظالم
ولكن هيهات هيهات
أما الكفيل قمر العشيرة العباس
فأي إبداع كوني حوته أرضه وسمائه
أتأمل صفائها بحرمه
تتخللها غيوم بيضاء
تسير مسرعة فوق قبته الشامخة
أتخشاك سيدي ؟!
أم
تسلم عليك و تفسح المجال لغيرها ؟!
أم هو سر غير ذلك ؟!
عجبا لها
لننال نظرة إلى الشهيد وحامل اللواء كنا ننتظم في صف واحد
لتسكن النفوس
وتنمو نرجس سعادتنا في جنته
لتزهر الأيام و تتدفق ينابيع الفرح
هنا تشابه غريب بين الشبل والأسد
بين علي الكرار والعباس ابنه البطل
فمهما تملك روحي من تعب واعياء ينجلي بثوان
أما يوم الأربعين فمعزوفة حبي أعلنت حدادها
فبروح متكسرة تلثم خطوات الزائرين
خرجت مع المجموعة بموكب يلطم على الصدر
يجدد العهد بالذود عن آل بيت الرسالة والسير على نهجهم
من خيام الشهداء
بدأ العروج
ليمر بجنة الحسين خروجا منها لحرم أبي الفضل العباس
مشيا على الأقدام بظاهره
و عروجا بالأرواح في حقيقته
وهذا ماشعر به الكثيرين غيري
متجردين من الأحذيه لنواسي إبنة علي الكرار
متذكرين سعيها بين الشهداء
ملبين لها النداء
أرواحنا لكم الفداء
مواكب عديدة شهدت خطواتها هذه الرمال
وأبقت صورة لجباه لطخت بالتربة الحسينية
لتوحد اللاطمين المعزين بين الجنتين
أجواء لم أعهد لها مثيل في حياتي
مما جعلني متأكدة أن هذه الأرض تسامت
و احتضنت أطهر الأجساد بعز وشموخ عن غيرها
و اشعرتني بالإنتماء لها
وكأنني لست مسافرة عن بلدي
لم أشعر بالحنين لوطني و أهلي
كنت في انتظار قدومهم لي
حتى في نهاية الرحلة
لم أفكر بشيء سوى العودة في العام القادم لهذه الأرض
مع أهلي جميعا
فبلغنا الله واياكم بالقريب العاجل
.
لي عودة
بدعائكم لي لن اتأخر
دمتم بود

الأربعاء، 10 مارس 2010

ذكرى الخطوات-2

بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآله الطيبين الطاهرين
.
هم النور نور الإله جل جلاله..هم التين والزيتون والشفع والوتر
.
وصلت لكني لم أرى القبة بعد
قررت أن أنزع أوساخ الحياة
وأتجرد من ذنوب أثقلت كاهلي
فأنا متوجهة لوجيهاً عند الله
وشافعاً لغفران كل ماعلق من خطايا وآثام
خرجت بعدها ومشاعر حبي
كزخات مطر تبللني بل تغرقني في بحار حنين لا متناهي
إلى أن رأت عيني حصناً منيع شامخ بعزة و رفعة
نظرتُ إليه ونظراتي تعلو شيئاً فشيئاً لعنان السماء
وكأن الأمير يريد أن نستقبله بشموخ فخر لإنتمائنا إليه
فعلاً هذا مايستحقه المولى
أن ينافس الغيوم شرفاً وعزاً بل أعلى من ذلك بكثير
كقطعة الحلوى تذوب بسرعة
كنت ذائبة أمام الجلال والهيبة هياماً وحبا
أخاطب نفسي أن جودي بكل مشاعرك
لتلبسي إكليل الولاء من المولى
فاشتعل شوقي وأحرق كل شيء يشغل فكري سوى
مرآه الطاهر
فهاهي سنابل خضراء تفترش أمامي كدليل لأسير بسرعة
لداخل الحرم الشريف
لا اعلم مالذي حصل لي ؟!
شعرت بركض أنفاسي
وكأنها تريد التحرر من جسدي
فوصلت أقدامي لبوابة شامخة
فأبت الوقوف فسجدت لله شاكرة
أستمريت بالمسير ويدي تلامس الجدران
كأن بها نبض حنون يدفعني لأُكمل
وعيناي تتأمل اللمعان الذي يسطع
ورائحة تخترق الأنفاس لا أظنها لورد بل أعذب بكثير
أخيراً
لاح المرقد أمامي
فهاج بصمتي أنين وضجيج
ولكني حائرة
أ أصرخ ؟!
أ أبكي؟!
أ أمد يدي وتصل إلى سيدي؟!
راودت روحي ارتباكات لم أعهد لها مثيل
كيف لي أن أستقبل الحبيب؟!
كيف أكون متبتلة في محراب عشقه؟!
فسجدت مبتهلة للمولى معترفة بهواه الأبدي
أفواج كالموج أمامي تتسابق للوصول
فقررت بلا تردد الغرق معها
لأحظى بقرب أكثر
وهاهي يدي تصل وكأن أصابعي تهرب مني
فنثرت قبلاتي ودموعي تتلاعب على خدي
حقاً وصلت ؟!
لمني عندك مولاي فقد بعثرتني الأيام
خبئني بين حناياك فأنا من تفخر بالإنتساب إليك
شذى من الرحمة والرأفة والعطف والود لامس الهواء
فأحاطني بشعور أب رحيم أرحم من هبات نسيم على صفحة ماء
سحب سوداء غطت كياني فأبعدها سيدي في ثواني
مسح جراحي وقذف في أعماقي وده
وملأ أنفاسي بنقاء لا متناهي
هنا عادت أجنحتي لتحلق لأحبة طلبوا مني الدعاء لهم
وكيف أبخل عليهم هنا
وهنا تشنق كل الذنوب
هنا ظل دافئ لكل القلوب
هنا الغرق في بحار الحب نجاة من نار الجحيم
والفوز بلا ريب بجنات النعيم
هنا الهوية الصامدة والإنتماء المنير
هنا الصراط المستقيم
لا أعلم هل ذكرت الجميع أم لا ؟!
ولكن ابتدأت بدعاء خاص لأخي الذي أفتقدته
فالموت غيبه عني ولكنه كان الأول بذاكرتي
رغم هذا التراقص الغريب لمشاعري بين الفرح والحزن
شعرت بأني أسيرة
ونعم الأسر
فقد كان هناك هالة نورانية تجذب أقدامي في كل حين للحضرة العلوية
أعلم بأنه سحر فُطر قلبي عليه
فلم أعد أبالي لبرودة الأجواء
وقد أزددت برغبة لمعرفة كل مكان حل به المولى
فتوجهت لجامع الكوفة
جامع عظيم لهجت به ألسن أشرف الخلق متقربة إلى الله تعالى
وزاده شرفاً دماء طاهرة أريقت في محرابه لأمير المؤمنين
بالقرب منه كان الصحابي ميثم التمار شاهداً على الظلم
كيف يعاقب المرء على حبه وكأنها جريمة
أيضا الشهيد مسلم ابن عقيل ونور الحق المختار الثقفي
وهانئ بن عروة عليهم سلام الله
فهذه البقعة احتوت مزيج من العظمة المذهلة
النبي والوصي والصحابي والشهيد .
.
أخيرا
أعترف بتقصير حرفي إليك مولاي ياعلي
فأنا محمومة من بعدي عنك
فدثرني سيدي بدوام لقائك
.
سأعود محملة بشوق لـ سحر كربلاء
انتظروني